PREGNANCY BIRTH

كــل مــا يــتــعــلــق بــالــقــانــون الإداري الــمــغــربــي

قضاء إداري - قرارات إدارية - عقود إدارية - دروس وقالات قانونية - نقاشات قانونية - تساؤلات - مساعدة - جديد الوظائق العمومية - أخبار قانونية وفقهية - والمزيد المزيد ....

من نحن

محمد حيمود يطرح السؤال: وماذا بعد انتخابات الجماعات الترابية للرابع من شتنبر 2015 ؟

Unknown 1 تعليق 7:53 ص



بقلم: محمد حيمود
أستاذ باحث بجامعة محمد الخامس بالرباط

رئيس مركز الأبحاث والدراسات حول الحكامة الترابية
مع أهمية المحطة الانتخابية التي عرفها المغرب خلال الرابع من شتنبر الماضي بشأن الجماعات الترابية كونها تعتبر، مبدئيا، تتويجا لمرحلة انتقالية أسس لها دستور 2011 والقوانين التنظيمية المؤطرة لعمل الوحدات الترابية اللامركزية، وكذا الآمال المعلقة على تجديد الفعل السياسي، إلا أن درجة التعبئة التي أبانت عنها كل الأطراف المعنية (سلطات عمومية، أحزاب سياسية، مجتمع مدني، مواطنون) لا يتعين أن تقف عند هذه المحطة التي لا تعدو أن تكون منطلقا لمرحلة حاسمة وهي أجرأة الالتزامات والوعود المعلنة، ومجابهة واقع تدبير الشأن العام الترابي الذي تتعدد الرهانات المعلقة عليه سواء في أبعادها الاجتماعية (خدمات القرب)، والاقتصادية (الهاجس التنموي القاعدي)، والسياسية (الجهوية المتقدمة كبديل مقترح ضمن بدائل تسوية قضية الصحراء المغربية).
فهذه الرهانات التي تستبطن كل واحدة منها العديد من الانتظارات، تتطلب تعبئة لا تقل أهمية عن تلك التي تم تسجيلها خلال المحطة الانتخابية، خاصة وأن التجربة أبانت عن انحصار الاهتمام والتتبع عند مثل هاته المحطات وذلك على مستوى الأطراف المعنية المشار إليها أعلاه، وإن كان بمستويات متفاوتة.
فعلى مستوى السلطات العمومية ممثلة في الجهاز الوصي وهو وزارة الداخلية، فإن الكم المهم من الجماعات الترابية (1503 جماعة حضرية وقروية، 75 عمالة وإقليم، 12 جهة)، ومجموعاتها والوحدات والشركات المتفرعة عنها، يفرض عليها العمل على تأمين حد أدنى من الإشراف والتأطير لمحدودية آليات التدخل، رغم الدور الذي تقوم به المديرية العامة للجماعات المحلية والمفتشية العامة للإدارة الترابية وأقسام الجماعات الترابية بالعمالات والأقاليم.
أما الأحزاب السياسية، فلا نبالغ إذا قلنا بأن صحوتها تجاه الشأن العام الترابي إنما تنحصر عند المحطة الانتخابية التي تشهد حركة غير معتادة لقادة الأحزاب والمقربين منهم على صعيد مختلف المجالات الترابية للمملكة، وما نموذج انتخابات الرابع من شتنبر الماضي ببعيد، لنشهد بعد أيام من هذه الانتخابات عودة هؤلاء لقلاعهم واكتفائهم ببعض التصريحات التي تحث الفائزين بالمقاعد على ضرورة العمل لتحقيق تطلعات الساكنة في ظل غياب أي عمل مؤسساتي في هذا الشأن.
وبخصوص محدودية اهتمام فعاليات المجتمع المدني بمرحلة ما بعد الانتخابات، فله علاقة بمستوى الدور الذي كان مسندا لها والذي لم يتم تفعيله إلا في السنوات الأخيرة، حيث ينتظر تسجيل تحول بهذا الشأن في القادم من السنوات إن تمت أجرأة مقتضيات الوثيقة الدستورية لسنة 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية، وكذا النصوص المرتقبة في مجال الديمقراطية التشاركية.
ويبقى المواطن غير المؤطر في أي قالب تنظيمي الحلقة الأضعف في هذا الجانب، إذ أن مستوى انخراطه واهتمامه بقضايا الشأن العام عموما والترابي بشكل خاص، إنما هو نتيجة لدرجة تحرك وعمل وتعبئة الأطراف المعنية (سلطات عمومية، أحزاب سياسية، مجتمع مدني…)، باعتبارها قنوات ” تنشئة ” وتحسيس وتحفيز. فبغياب دور هذه القنوات واستمراريته لن يتفاعل المواطن مع المستجدات والتدابير الجديدة التي أمنها له دستور 2011، فضلا عن النصوص المتفرعة عنه لإشراكه في كل ما يهم تدبير شؤونه اليومية.
عدم تجاهل الحصيلة
الأكيد أن المغرب حقق تراكما إيجابيا على مستوى العمل اللامركزي منذ أول تجربة في ظل المغرب المستقل، سواء على مستوى التأطير القانوني أو المؤسساتي أو الإداري، بل حتى من حيث الممارسة السياسية. ومع ذلك، فإن هذا التراكم الإيجابي تقلل من أهميته حصيلة الممارسة الميدانية، بل تجعلنا أمام مفارقة غريبة بين شكل التجربة اللامركزية ومضمونها أي نتاجها.
فبلغة الأرقام والمعطيات الميدانية، تكشف خلاصات التقارير السنوية للمجلس الأعلى للحسابات العديد من الاختلالات، ومنها تلك التي رصدتها المجالس الجهوية للحسابات برسم عملها لسنة 2013 على مستوى الجماعات الترابية.
فحسب هذا التقرير:
• لم تقم العديد من الجماعات بإعداد مخططات تنميتها؛
• ضعف تنفيذ المشاريع المبرمجة في تصاميم التنمية؛
• غياب دليل للإجراءات والمساطر الإدارية الداخلية ؛
• تحمل نفقات لا تدخل ضمن اختصاصات الجماعات ؛
• غياب مساطر مقننة ووسائل ضرورية لتدبير فعال وناجع للمداخيل؛
• غموض في تحديد المسؤوليات؛
• محدودية نسبة تنفيذ الجماعات الترابية لنفقات الاستثمار: لم تتجاوز نسبة 38% سنة 2010؛
• خلل في بنية موارد الجماعات الترابية: 63% بالنسبة للموارد المنقولة من طرف الدولة و 17% للموارد المسيرة لحساب الجماعات الترابية؛
• خلل بين مكونات الجماعات الترابية على مستوى المداخيل: الجماعات الحضرية 55 % ؛
• خلل بين مكونات الجماعات الترابية على مستوى النفقات العادية: الجماعات الحضرية 62 % في مقابل 2% للجهات …
اختلالات بالجملة لم تفلح التدخلات القضائية والإدارية للمجالس الجهوية للحسابات، وغيرها من الأجهزة الرقابية، في وضع حد لها، ومن هنا نثير الانتباه لعدم تجاهل الحصيلة، حتى تكون الانطلاقة وفق المسار الصحيح.
DSC_5836
استحضار تطلعات دستور 2011
تضمن دستور 2011 العديد من الفصول التي تشكل أرضية لتدبير متجدد للجماعات الترابية، سواء الفصول الواردة بالباب التاسع، أو تلك المرتبطة بالمبادئ العامة للتدبير والتي تحتضنها أبواب أخرى من الوثيقة الدستورية.
فبالنسبة للباب التاسع، نجد الحديث عن مبادئ التدبير الحر والتفريع وعن التعاون والتضامن، وكذا بنية الموارد المالية وصناديق التأهيل والتضامن. كما أن الدستور كرس السلطة التنفيذية والتنظيمية وأسس للمراقبة الإدارية عوض الوصاية، دون تجاهل تقييم الأعمال والبرامج وإجراءات المحاسبة. ومن ناحية أخرى، تم التأكيد على وضع آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها، وتقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله.
أما الأبواب الأخرى من دستور 2011، فتؤكد هي الأخرى على الديمقراطية التشاركية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وإشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، وحق الحصول على المعلومات…
فمن خلال هذه المبادئ، يتطلع المشرع الدستوري لجماعات ترابية من نوع آخر، بحيث سيكون على الأطراف المعنية العمل على تحقيق هذا الرهان، الذي وإن كانت ملامح الصعوبة بشأنه مسلم بها، فإن فرص كسبه تظل قائمة إن واكبت الإرادة السياسية الفعلية النوايا المعلنة.
استثمار مستجدات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية
لن يسعنا هذا الحيز لمناقشة مستوى تنزيل القوانين التنظيمية للجماعات الترابية لمقتضيات دستور 2011، وسنقتصر على تناول أهم المستجدات التدبيرية لهذه القوانين والتي يتعين استثمارها لإرقاء تسيير الوحدات الترابية اللامركزية.
ولعل الصعوبة المشار إليها في تحقيق رهان جماعات ترابية بصيغة متجددة، كون الفاعل الترابي والإداري سيكون أمام مستجدات تدبيرية متعددة ومتداخلة، بحيث أن العمل المشترك والصالح العام والوعي بحجم الإكراهات المرتبطة بالظرفية، ستشكل أهم مداخل تجسيد التحول المؤسساتي المنشود، ألا وهو الدولة اللامركزية.
فبالإضافة إلى مبادئ التدبير العصرية (التدبير الحر، التفريع، الحكامة، التعاضد …) التي أشارت إليها الوثيقة الدستورية، عملت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية على وضع مجموعة من الآليات التدبيرية الجديدة سواء في أبعادها السياسية (منع الترحال السياسي، اعتماد التصويت العلني، تحديد حالات التنافي، التنصيص على رئاسة المعارضة لإحدى اللجان الدائمة، اختصاص القضاء وحده في منازعات تسيير المجالس… )، والإدارية (تعزيز قدرات إدارة الجماعة الترابية، وكالة جهوية لتنفيذ المشاريع، وضع نظام أساسي خاص بموظفي الجماعات الترابية… )، والمالية (وضع برنامج العمل أو برنامج تنمية العمالة أو الإقليم أو برنامج التنمية الجهوية، رئيس مجلس العمالة أو الإقليم ورئيس الجهة هو الآمر بالصرف للميزانية الترابية، إعادة هيكلة الميزانية الترابية، إعداد الآمر بالصرف لمشروع نجاعة الأداء… )، والرقابية (النزاع حول شرعية المقررات والقرارات المالية تبت فيه المحكمة الإدارية، تأكيد وتوسيع مجال التدقيق والتدقيق المالي، إمكانية تشكيل لجنة للتقصي، التنصيص على اعتماد الرقابة الذاتية…)، فضلا عن تدابير المواكبة والمصاحبة والإشراك.
التحديات المطروحة على الجماعات الترابية
بقدر ما تتعدد المستجدات التدبيرية التي جاءت بها الوثيقة الدستورية وعملت، إلى حد ما، على تفصيلها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، تتعدد بالتوازي التحديات التي على هذه الوحدات الترابية اللامركزية مواجهتها. ومنها:
التحدي الأول: التكوين المستمر
لعل حساسية التحديات المطروحة على الجماعات الترابية كون هذه الأخيرة لم تكن لها القدرة على استثمار مضامين النصوص القانونية السابقة. فعديدة هي التدابير التي لم تستغلها الجماعات الترابية على ضوء ميثاق 30 شتنبر 1976، وميثاق 3 أكتوبر 2002 وقانون 17.08 والقانون رقم 45.08، على الأقل بالنسبة للجماعات الحضرية والقروية باعتبارها الوحدات الترابية اللامركزية التي كانت تحظى باهتمام أكبر من حيث التأطير القانوني والمالي في علاقة بحجم الاختصاصات المسندة إليها.
فتحدي استثمار الآليات التدبيرية العديدة والمتداخلة التي جاءت بها القوانين التنظيمية الجديدة (القانون رقم 111.14، القانون رقم 112.14، القانون رقم 113.14)، سيشمل هذه المرة ليس فقط الجماعات الحضرية والقروية، بل حتى العمالات والأقاليم وبالأخص الجهة التي حسم دستور 2011، مبدئيا، في مكانتها بأن نص في الفقرة الرابعة من الفصل الأول منه على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة.
ويكفي أن نعود إلى خلاصات تقارير عمل المجالس الجهوية للحسابات لنكشف إلى أي حد يغيب الهاجس التدبيري على مستوى الجماعات الترابية، وضعف توظيف الآليات المقررة في هذا الشأن، مما يطرح بإلحاح مسألة التكوين والتكوين المستمر، لدرجة يمكن القول بأن حصيلة التجربة اللامركزية في أفق سنة 2021 متوقفة عليها، لاسيما وأن التكوين المستمر أصبح حقا لأعضاء الجماعات الترابية، مع تنصيص القوانين التنظيمية لهذه الجماعات على التزام الدولة بالمساهمة في إحقاق هذا الحق خلال أول مدة انتدابية للمجالس التداولية.
التحدي الثاني: التمويل الترابي
ويعني ذلك استكمال إصلاح النصوص القانونية التي لها علاقة بالشق المالي والمحاسبي حتى تتضح الإرادة السياسية المعلنة في الفقرة الرابعة من الفصل الأول من الدستور، وفصول أخرى تنص على مبدأ التدبير الحر ومبادئ عديدة لن يكون لها أي معنى بدون السند المالي الموازي. فالمنتظر توضيح العلاقة المالية بين كل الجماعات الترابية بما يساعد على تيسير ممارسة اختصاصاتها وفق مقاربات سنعمل على ملامسة بعض ملامحها بشكل مستقل.
التحدي الثالث: التقائية التدخلات
لايفترض أن يؤدي إعادة ترتيب مكانة كل جماعة ترابية إلى الاعتقاد بأن هناك مفاضلة بهذا الشأن، بل إن ذلك تم في حدود الدور الموكول لكل وحدة ترابية لامركزية. فإذا كانت الفقرة الرابعة من الفصل الأول من الدستور تؤكد، على سبيل المثال، بأن الجهوية المتقدمة يقوم عليها التنظيم الترابي للمملكة، فإن الفصل 143 من ذات الوثيقة الدستورية يضع ملامح هذه الصدارة بأن أشارت الفقرة الثانية منه إلى أن الجهة تتبوأ ، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية. بل إن الفقرة الأولى من نفس الفصل تؤكد بأنه لايجوز لأي جماعة ترابية أن تمارس وصايتها على جماعة أخرى.
فمبدأ التدبير الحر يؤسس، مبدئيا، لحرية تصرف كل جماعة ترابية، ويعمل مبدأ التفريع من جانبه على التأسيس لمستويات هذا التصرف بالنسبة لكل منها، ليأتي مبدأ التعاون لوضع مقومات التضامن والتعاضد الممكنة، والتي بهما يمكن تحقيق انتظارات الساكنة.
كما تطرح مسألة التقائية التدخلات بإلحاح على اعتبار أن المصلحة العامة تفرض ذلك في مواجهة الحسابات السياسية الضيقة، لاسيما في ظل إفرازات انتخابات الرابع من شتنبر الماضي والتي ترتبت عنها مجالس تداولية من تشكيلات سياسية متنافرة (نموذج مجلس جهة الدار البيضاء – سطات ومجلس مدينة الدار البيضاء، مجلس جهة طنجة تطوان ومجلس مدينة طنجة).
التحدي الرابع: الديمقراطية التشاركية
لم يعد يجادل أحد اليوم في أهمية الديمقراطية التشاركية في التصدي لثغرات ديمقراطية الصناديق أي الديمقراطية التمثيلية. لأجل ذلك، نجد بأن دستور 2011 خصص فصولا متعددة لما يمكن أن نسميه بالديمقراطية الموازية، وعملت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، إلى حد ما، على ترجمة مضامينها.كما ينتظر تتويج النقاش العمومي حول المجتمع المدني بنصوص تؤسس لمرحلة جديدة على مستوى الفعل المدني عبر ميثاق للديمقراطية التشاركية.
إذن، يبقى على كل الأطراف المعنية، التحسيس بأن دور المواطن لم ينته بالإدلاء بصوته في انتخابات الرابع من شتنبر الماضي، بل عليه الاستمرار في اهتمامه بقضاياه اليومية، خاصة وأن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية تمنحه العديد من الآليات للمساهمة عن قرب في تدبير الشأن العام الترابي.

1 التعليقات لــ "محمد حيمود يطرح السؤال: وماذا بعد انتخابات الجماعات الترابية للرابع من شتنبر 2015 ؟"

تساءل في محله و تحليل منطقي بارك الله فيك أستاد .

ملحوظة :

التدوينات و التعاليق المنشورة في مدونة المادة الإدارية بالمغرب لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع .