PREGNANCY BIRTH

كــل مــا يــتــعــلــق بــالــقــانــون الإداري الــمــغــربــي

قضاء إداري - قرارات إدارية - عقود إدارية - دروس وقالات قانونية - نقاشات قانونية - تساؤلات - مساعدة - جديد الوظائق العمومية - أخبار قانونية وفقهية - والمزيد المزيد ....

من نحن

الحكامة المحلية و التعاون اللامركزي .

Unknown 0 تعليق 1:32 م






إن الكشف عن حقيقة دور التعاون اللامركزي في تقوية حركية الحكامة المحلية تفترض بداية التصدي إلى الدور المركزي للجماعات المحلية- وهي الأطراف الحصرية للتعاون اللامركزي – في قيادة مسلسل المشاركة و التواصل داخل المجال المحلي ، قبل مقاربة إضافات التعاون اللامركزي لجهود الجماعة المحلية في تقوية مسلسل الحكامة المحلية
أ: الجماعات المحلية حجر الزاوية في مسلسل الحكامة المحلية
يوفر المجال المحلي الفرصة الأهم لتفعيل نظريات الحكامة، إذ يوفر إمكانيات واقعية للمشاركة، و مؤسسات وساطة أكثر قربا من الساكنة و من المشاكل نفسها، تعطي للمواطن فرصة تحمل المسؤولية و الالتزام من القاعدة.
و تسمح هذه المقاربة الترابية المحلية من تحريك الموارد و المشاركة المباشرة لكل الساكنة، بحيث يصبح التراب المحلي نقطة انطلاق مسلسل يسمح بتفعيل الموارد البشرية و المادية التي يضمرها، و التوصل إلى التوافق الضروري من أجل استغلالها.
كما يسهل المجال المحلي تحقق شرط التفاعل الذي تقوم عليه التنمية المستدامة، إذ تعتبر المدينة مثلا نموذجا لتحقيق أكبر قدر ممكن (maximiser) من التفاعل المجالي، باعتبارها توفر عامل القرب المهم و المسهل للاتصال، و لذلك فإن المدينة – كأهم مجال ترابي محلي- باعتبارها المكان المركزي للتفاعل و التبادل الاجتماعي تفرض نفسها كمؤسسة إنسانية مركزية، سيتم المراهنة حولها و داخلها على النمو و التنمية المستدامة.
إن المقاربة الترابية للتنمية المستدامة تجعل من " المحلي" المجال المناسب لبرامجها و استراتيجياتها، و تعكس الحاجة إلى " التفكير كونيا و التصرف محليا" « penser globalement et agir localement » ، و ذلك اعتبارا للمجال المحلي كنسق تسهل فيه تقوية فعالية الموارد الطبيعية، الإنسانية أو من أي نوع آخر.
و في هذا الإطار المحلي تعول الحكامة المحلية على تفعيل دور الفاعلين الوسطاء الأقرب للمواطنين و الممثلة لجميع شرائحهم، و إشراكهم حول مشروع شمولي موحد.
و بين كل الفاعلين المحليين، يلعب الفاعلون المؤسساتيون عادة دورا محوريا في بناء الحكامة المحلية، خاصة من خلال الخاصية الشكلية للمؤسسة و قدرتها على التنشيط و الربط بين الفاعلين الآخرين...، و لذلك فإن استراتيجيات التنمية المحلية المستدامة تضمن موقعا و دورا هاما لمختلف التنظيمات و المؤسسات المحلية، في إطار توافق عام حول الأهداف.
لكن رغم وجود عدة وسطاء ممكنين في إطار اقتصاد لا مركزي (جمعيات، منظمات تمثيلية، نقابات…)، فإن الجماعات المحلية تبقى الوسيط النموذجي، و ذلك باعتبار دورها في تحديد قواعد النشاط .. إضافة إلى السبب الأخر المتمثل في شرعية المنتخبين المحليين المكتسبة من خلال الانتخاب العام ،و كذلك المهام الموكولة للجماعات الترابية بصفة عامة
و لذلك فإنه، و رغم ضرورة إدماج مجموع الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين المحليين (المصالح اللاممركزة، الغرف المهنية، المقاولات المحلية ...) في مسلسل التنمية المحلية المستدامة، فان الجماعة المحلية تتحمل تنفيذ مقتضيات الأجندة21، فلها تعود مسؤولية التنشيط و توجيه مسلسل التنمية المحلية المستدامة،و هي التي يجب أن تكون المخاطب الرئيسي للدولة – لاعتبار قربها من المواطنين- في وضع و ترسيخ سياسات التنمية المستدامة، مثلما يفترض بها ،و بكل الوسائل، تشجيع المسلسل التشاركي و تحقيق مخططات العمل المحلي من أجل التنمية المستدامة كما وردت في الأجندة 21 المحلية.
و إذا كانت الجماعة المحلية تطلع بهذا الدور الجوهري، فإن تحقيق التشاركية و الديمقراطية في تدبير التنمية المحلية كشرط أولي لاستدامتها نفرض شرطين أساسيين : الانتخاب الشعبي للأجهزة التداولية التي تكون لها مهام و وظائف واسعة، و كذلك استغلال مختلف أشكال المشاركة الشعبية في مسلسل صناعة القرار.و إدخالها في سياق تعاون و توافق شامل، إلى جانب المتدخلين العموميين المحليين.
و لهذه القدرة التعبوية للجماعات المحلية موقع هام في تحديد قدرات الجماعة المحلية على تدبير التنمية المحلية المستدامة، بحيث تتوقف قدرة الجماعات المحلية (la capacité des collectivités ) ،إضافة إلى العوامل الفردية (المنتخبون و الموظفون... ) و العوامل المؤسساتية (التنظيمات و قواعد العمل)، على العوامل النسقية (facteurs systémiques ) أي الإطار الخاص التشريعي و التنظيمي و اشكال التفاعل مع هياكل الدولة و المجتمع المدني و القطاع الخاص، مما يجعل وجود مؤسسات تعاون و تحالف استراتيجي بين الجماعات المحلية و غيرها من المتدخلين على المستوى المحلين في إطار مفهوم الشراكة، محددا من محددات قدرة الجماعة المحلية على تشجيع و تدبير التنمية المحلية.
و من المهم هنا أن تكون هذه العوامل النسقية للجماعة المحلية، و المؤسسة لفكرة التعاون لدى الفاعلين في المجال المحلي، مستوعبة لضرورة توسيع مجال التعاون إلى ما وراء الوحدات الإدارية الشكلية، لتشمل على وجه خاص القطاع الخاص، و المنظمات غير الحكومية و المنظمات التطوعية... و التي يجب أن تكون مدمجة و قريبة، و كلها مصادر هامة للموارد المختلفة (المالية، البشرية، الاحترافية، المعرفة، الخبرة...) التي من شأنها المساهمة في المسلسل العام و التعاضدي للتنمية المحلية المستدامة.
إن مسؤولية الجماعة المحلية تبدو مفصلية في تحريك مسلسل التنمية المستدامة، ليس كمتدخل عمومي فقط، و لكن كمنشط و محفز لباقي الفاعلين ، و مؤلف بينها في إطار مشروع محلي موحد، و كذلك كباحث عن مختلف الموارد التي قد يوفرها له متدخلون على مستويات مختلفة من خلال استراتيجيات الشراكة و التعاون.
وفي هذا الإطار ، يوفر التعاون اللامركزي آلية هامة لدعم دينامية الحكامة المحلية .

ب: تقوية التعاون اللامركزي لدينامية الحكامة المحلية
تقوم فلسفة التنمية المحلية المستدامة على اعتبار الساكنة المحلية بجميع مكوناتها كفاعلين فيها و ليس فقط كمواضيع لها.
و لذلك فإن الحكامة المحلية مكون أساسي في مسلسل هذه التنمية، و ذلك لارتكازها على إدماج مختلف الفاعلين في مشروع تشاركي شمولي، للاستفادة من الموارد التي من شأن هؤلاء الفاعلين المحليين توفيرها.
و أصبح التعاون أهم مجالات استثمار هؤلاء الفاعلين غير الحكوميين، و مجالا لتقوية دينامية التعاون و التنسيق المحلي، خاصة و أن الانفتاح على المجال الخارجي للتراب يفرض حدا أدنى من تنظيم هذا التراب من أجل تثمين الموارد المحلية و تطوير القدرة التفاوضية مع الشركاء الخارجيين.
و لهذا تتركز أهم الانتقادات اليوم للتعاون الدولي المركزي في عدم الإشراك الفعال لمختلف هؤلاء الفاعلين غير الحكوميين، أو – حتى لدى بعض الدول المتقدمة- عدم تثمين الدور الذي يمكن أن يقوموا به في سياسات التعاون الدولي، و هذا ما يترجمه مثلا المجلس الأعلى للتعاون الدولي الفرنسي، في رأيه للوزير الأول في 18 أبريل 2000 بالقول أنه " و رغم التطورات الأخيرة، فإن الإدارة تميل دائما نحو اعتبار مشاركة المنظمات غير الحكومية فقط كوسيلة تقنية و مالية لدعم هذه البرامج، (...) كما أن المساطر الاستشارية المتصلة ببرامج التعاون هذه لا تدعم إشراك و إدماج المجتمع المدني"
و حتى في الأحوال التي تتجه فيه الدولة في تعاونها إلى إشراك المجتمع المدني، فإن ذلك عادة ما يقتصر على المنظمات أو الجمعيات الكبرى الوطنية، المدعومة من طرف الدولة في أغلب الأحوال، و التي حتى قد تكون في غير حاجة إلى الدولة لربط علاقات تعاون فوق وطنية.
في مقابل هذا، فإن الجماعات المحلية من خلال التعاون المركزي توفر قوة وساطة هامة جدا للمجتمع المدني المحلي للاستثمار في التعاون فوق الوطني، اعتبارا أن التعاون اللامركزي يتجاوز الإطار المؤسساتي الضيق. إذ و رغم خاصية العمومية، فإن العلاقة بين الجماعات الترابية يمكن أن تعتبر " كتعاون مجتمع مع مجتمع آخر" (coopération de société à société) لأنه يرتكز في نفس الوقت على أساس مؤسساتي و على تعبئة الفاعلين المحليين، يسهلها القرب المؤسساتي للجماعة المحلية من هؤلاء الفاعلين .
و لا يجب أن نتصور أن إشراك المجتمع المدني بمختلف مكوناته في مشاريع التعاون اللامركزي له فقط أهمية سياسية ، بمفهومها المحدود في ضرورة الإشراك الديمقراطي لهؤلاء في سياسات التدخل العمومي، و إنما مبرر نفعي هام جدا؛ فإذا كانت الجماعات المحلية قد انفتحت على المستوى العالمي لأجل تحمل مسؤولياتها في تدبير التنمية المحلية، فإن هذا الانفتاح لا يمكن أن ينجح إلا إذا اعتمد إستراتيجية إشراك جميع الفاعلين في الحياة المحلية في إطار شبكة منسوجة مع نظائرهم من الجماعات الشريكة، للاستفادة من الموارد التي يمكن أن يوفرها هؤلاء، خاصة مع تطور مواضيع التعاون اللامركزي و اتساعها، في مقابل محدودية إمكانات الجماعات المحلية الجماعات المحلية.
و لذلك فإن من الضروري تحريك مختلف هؤلاء الفاعلين، ما دامت الجماعة غير قادرة على أداء مهام التعاون اللامركزي بالاعتماد فقط على مستخدميها، إذ يجب أن تستعين بالمنظمات غير الحكومية، الجامعات، الجمعيات المختلفة... و عموما كل القوى الحية للجماعة.
و الحقيقة أن دور الجماعة المحلية في اتفاقات التعاون اللامركزي يأخذ بعدا أهم في قدرتها على لعب دور الوساطة و ربط العلاقات هذا، الذي تستطيع من خلاله توفير شروط تنشيط و تحريك طرق الشراكة، لصالح مختلف المكونات المحلية و على مستوى يتجاوز الحدود الوطنية.
إن مفهوم الجماعة المحلية في علاقات التعاون اللامركزي يستوعب كل القدرات الاقتصادية، الاجتماعية و الثقافية التي يمكن أن تركزها في خدمة تبادلها هذا مع الجماعات الأخرى،و الدور الأساسي للجماعة المحلية ليس هو بكل بساطة التعاون، و لكن الدفع لممارسة التعاون، faire faire de la coopération .
لقد أصبح المعيار الأساسي لنجاح التعاون اللامركزي هو مدى استيعابه لمختلف الفاعلين المحليين، و ربطهم في علاقات تعاون و تبادل، ففي تجربة الجماعات المحلية المغربية، و إذا كان يشار مثلا إلى التعاون بين مدينتي الدار البيضاء و بوردو كإحدى أنجح نماذج التعاون اللامركزي، فإن ذلك يعود إلى مستوى تعبئة الفاعلين المحليين بمختلفهم في إطار هذه الشراكة، إذ نجد مثلا خلق علاقات تواصل و تعاون بين كل من:
1 نظام المهندسين المعماريين لبوردو و المجلس الجهوي لنظام المهندسين المعماريين لمنطقة الوسط.
2 معهد علوم الإعلام و الاتصال لبوردو و كلية الآداب و العلوم الإنسانية ابن مسيك
3 نظام الخبراء المحاسبين لبوردو- أكنتين و نظيره بالدار البيضاء
4 نادي روتاري ببوردو نادي روتاري بالدار البيضاء أنفا.
5 غرفة التجارة و الصناعة ببوردو و نظيرتها بالدار البيضاء.
كذلك هو الشأن في نموذج آخر مهم، حيث المجتمع المدني في قلب التعاون، و يتعلق الأمر بالتعاون اللامركزي بين مدينة فكيك و سان دوني(Saint- Denis) الموقع اتفاقه في يوليوز 2000، فقد عبأت مدينة فكيك لهذا التعاون أكثر من أربعين (40) جمعية و منظمة غير حكومية، كصندوق المدارس، و جمعيات السكان المهتمة بالتنمية، جمعية أباء التلاميذ، جمعية المعاقين... في المقابل، رافق المجتمع المدني ل "سان دوني هذا التعاون أساسا من خلال جمعيات المهاجرين و كذلك جمعيات و منظمات الشباب
إن الدور الإيجابي للجماعة المحلية في الدفع بالتنمية المحلية على ترابها و على تراب الشريك كذلك ، من خلال التعاون اللامركزي تتحدد بشكل كبير عبر وضع شبكة تواصل بين فاعلي المجتمع المدني و خلق دينامية شراكة، و كذلك دعم فرص العالم الجمعوي المحلي لتوسيع حقل تدخله إلى المستوى فوق الوطني.
و بالنسبة لهذا المجتمع المدني المحلي، و بين التعاون الدولي المسير من طرف الإدارات المركزية، و التعاون غير الحكومي الذي تهيمن عليه المنظمات غير الحكومية الكبرى، فإن التعاون اللامركزي يؤسس مجالا مفتوحا أمامه للتعاون، و ينهي هيمنة المؤسسات الكبرى على هذا التعاون فوق الوطني.
و أهمية التعاون اللامركزي ارتباطا بالحكامة المحلية تستمد بشكل جوهري من مدى مساهمة الفاعلين المحليين –و خاصة المجتمع المدني- و مدى تعبئتهم حول مشروع الشراكة ، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة و تعميمها على مختلف القطاعات.
و لذلك فإن مستقبل التعاون اللامركزي يرتكز على قدرة الجماعات المحلية هذه على خلق علاقات التعاون و تحفيز الشراكة بين مكونات المجتمع المدني المحلي لدى طرفي التعاون اللامركزي.
و لعملية إشراك الفاعلين المحليين في هذا التعاون فوق الوطني أهمية نظرية كذلك (مرتبطة بنظرية و مفهوم التعاون اللامركزي)، فقد رأينا أنه إضافة إلى المفهوم الذي حددناه للتعاون اللامركزي (و هو نفس المفهوم لدى المشرع الفرنسي و المغربي) و الذي يرتكز على الجماعات الترابية العمومية كأطراف حصرية للتعاون اللامركزي، فإن هناك مفهوما أوروبيا أقرب إلى الفلسفة الأنجلوسكسونية للتدخل العمومي التي تساوي بين الجماعات المحلية و الجمعيات و المنظمات الخاصة، يعتبر كل هذه الأخيرة أطرافا ممكنة في التعاون اللامركزي.

و هنا فإنه و إذا ما أدركت الجماعات المحلية أهمية دورها كمحفز على التعاون، و تمكنت من تعبئة مختلف الفاعلين المحليين باختلاف طبيعتهم، فإن هذا الاختلاف النظري بين التصورين يصبح أضيق و يسهل تجاوزه.

0 التعليقات لــ "الحكامة المحلية و التعاون اللامركزي ."

ملحوظة :

التدوينات و التعاليق المنشورة في مدونة المادة الإدارية بالمغرب لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع .